الموجات الكهرومغناطيسية وتجربة هيرتز – فيزياء
الموجات الكهرومغناطيسية وتجربة هيرتز
مقدمة
تلعب الموجات الكهرومغناطيسية دورًا محوريًا في فهمنا للطبيعة، وهي المسؤولة عن انتقال الطاقة في الفضاء، مثل الضوء والراديو والأشعة السينية وغيرها. ولعل أحد أبرز العلماء الذين ساهموا في إثبات وجود هذه الموجات هو هاينريش هيرتز، الذي أجرى سلسلة من التجارب في أواخر القرن التاسع عشر أثبتت صحة تنبؤات العالم جيمس كليرك ماكسويل حول الموجات الكهرومغناطيسية.
ما هي الموجات الكهرومغناطيسية؟
الموجات الكهرومغناطيسية هي نوع من الموجات تتكون من مجال كهربائي ومجال مغناطيسي متعامدين ومتغيرين مع الزمن، وينتشران معًا في الفضاء. هذه الموجات لا تحتاج إلى وسط مادي للانتشار، أي أنها يمكن أن تنتقل في الفراغ، على عكس الموجات الميكانيكية مثل الصوت.
- يتذبذب المجال الكهربائي في اتجاه معين.
- يتذبذب المجال المغناطيسي في اتجاه عمودي على المجال الكهربائي.
- ينتشر الموج في اتجاه عمودي على كل من المجالين، مما يجعلها موجة مستعرضة.
وصف ماكسويل هذه الظاهرة رياضيًا في معادلاته الشهيرة، وتنبأ بوجود هذه الموجات وسرعتها في الفراغ، والتي تساوي سرعة الضوء (c ≈ 3 × 10⁸ m/s)، مما دفعه إلى الاعتقاد بأن الضوء نفسه هو شكل من أشكال الموجات الكهرومغناطيسية.
خصائص الموجات الكهرومغناطيسية
- السرعة: في الفراغ، جميع الموجات الكهرومغناطيسية تتحرك بسرعة الضوء.
- الطول الموجي والتردد: يرتبطان بالعلاقة:
حيث هي السرعة، هو الطول الموجي، و هو التردد.
- لا تحتاج إلى وسط: تنتقل في الفراغ.
- تنقل الطاقة: تحمل طاقة من المصدر إلى المكان الآخر.
- تخضع للانعكاس والانكسار والتداخل والحيود والاستقطاب.
الطيف الكهرومغناطيسي
يتكون الطيف الكهرومغناطيسي من مجموعة من الموجات التي تختلف في التردد والطول الموجي. يبدأ من الموجات ذات التردد المنخفض والطول الموجي الطويل مثل:
- موجات الراديو
- الموجات الميكروية
- الأشعة تحت الحمراء
- الضوء المرئي
- الأشعة فوق البنفسجية
- الأشعة السينية
- أشعة غاما
كل نوع منها له تطبيقات واستخدامات مختلفة في الحياة اليومية والعلوم.
تجربة هيرتز
خلفية التجربة
قبل تجربة هيرتز، كانت الموجات الكهرومغناطيسية مجرد تنبؤ نظري من ماكسويل. ولم يكن هناك دليل عملي مباشر على وجودها. جاء هاينريش هيرتز (Heinrich Hertz) ليثبت هذه الموجات تجريبيًا عام 1887.
أهداف التجربة
- إثبات أن الشحنات الكهربائية المتذبذبة تولّد موجات كهرومغناطيسية.
- إثبات أن هذه الموجات تنتشر بسرعة الضوء وتخضع للخصائص الموجية.
أدوات التجربة
- مولد الشرارة (Spark Gap Oscillator): يتكون من ملفين متصلين بمكثف ومصدر جهد عالي. عندما يتم شحن المكثف، يفرغ طاقته عبر فجوة شرارية، مولدًا تيارًا متذبذبًا عالي التردد.
- مستقبل (كاشف): حلقة معدنية صغيرة بها فجوة شرارية أيضًا، توضع على بعد مناسب من المولد.
خطوات التجربة
- عند تفريغ الشحنة عبر المولد، تتولد موجات كهرومغناطيسية تنتقل في الهواء.
- عندما تصل هذه الموجات إلى الكاشف، فإنها تولد تيارًا كهربائيًا ضعيفًا في الحلقة المعدنية يؤدي إلى شرارة صغيرة تظهر في الفجوة.
- لاحظ هيرتز هذه الشرارات الصغيرة باستخدام غرفة مظلمة وعدسة مكبرة.
نتائج التجربة
- رصد الشرارة في الكاشف: دليل مباشر على انتقال الطاقة من المولد إلى المستقبل عبر الفضاء دون وجود سلك.
- انعكاس وانكسار الموجات: هيرتز استخدم مرايا معدنية وألواح لإثبات أن هذه الموجات يمكن أن تنعكس وتنكس مثل الضوء.
- الاستقطاب والتداخل: أظهر أن الموجات تخضع لنفس الظواهر التي تخضع لها الموجات الضوئية.
أهمية التجربة
- أكدت صحة معادلات ماكسويل تجريبيًا.
- أثبتت أن الضوء ليس إلا جزءًا من طيف واسع من الموجات الكهرومغناطيسية.
- مهدت الطريق لاختراع الراديو، والاتصالات اللاسلكية، والتلفاز، والرادارات، وغيرها.
التطبيقات العملية للموجات الكهرومغناطيسية
- الاتصالات: موجات الراديو والميكروويف تستخدم في البث الإذاعي والتلفزيوني والهواتف المحمولة.
- الطب: الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي.
- الاستشعار عن بعد: عبر الأقمار الصناعية باستخدام الأشعة تحت الحمراء والرادارات.
- الطاقة الشمسية: استخدام الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية لتوليد الكهرباء.
- الإنترنت اللاسلكي (Wi-Fi): يعتمد على موجات الراديو في نقل البيانات.
خاتمة
لقد كانت تجربة هيرتز علامة فارقة في تاريخ الفيزياء، حيث انتقل العلم من النظريات الرياضية إلى الإثباتات التجريبية. أما الموجات الكهرومغناطيسية، فهي من أهم الاكتشافات التي غيرت وجه العالم الحديث، إذ نعتمد عليها في معظم جوانب الحياة اليومية. ومن خلال فهمنا لهذه الموجات وتجارب مثل تجربة هيرتز، ندرك كيف يمكن للعلم أن يربط النظرية بالتطبيق ويكشف عن أسرار الكون.